كلف النقل العام المرتفعة تستنزف الفقراء وتزيد معدلات البطالة

التبويبات الأساسية

ثمة علاقة وثيقة بين نسبة الفقر والبطالة من جهة وكلف النقل العام من جهة أخرى؛ إذ تعتبر القدرة على دفع أجور النقل من أهم المرتكزات الرئيسية لخدمة النقل للذهاب للعمل.
وبالتالي، فإن ارتفاع تكلفة النقل وتدني خدماته تؤثر سلبا على حياة الفقراء إما من خلال القيود التي تمنعهم من الوصول إلى مكان العمل، أو من خلال استنزاف نسبة كبيرة من دخلهم كأجور للنقل، ويزداد الأمر سوءا مع انخفاض الدخل وغياب الدعم لأجور النقل.
فرغم طموح الكثير من الشباب بالعمل لسد احتياجاتهم وأسرهم، إلا أن خدمات النقل العام وكلفه المرتفعة تحد من تلك الطموحات، فارتفاع كلف النقل تثني الشباب عن العمل، لأن النقل يأتي أحيانا على نصف او ثلثي دخله الشهري، وبالتالي تكون الوظيفة بلا جدوى مادية.
وكشفت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفقر في الأردن أن عدم توفر خدمات النقل العام في المناطق النائية يحرم سكانها من فرص العمل لصعوبة الوصول إليها بعيدا عن خدمات النقل العام الكفؤة وبأجور معقولة.
ورغم ذلك، فهناك العديد من الشباب يقبلون بالعمل رغم تآكل دخلهم الشهري بسبب كلف النقل، وغايته في ذلك التخلص من وصمة 'عاطل عن العمل'، الأمر الذي يحد من قدرة العديد من الشباب على التعايش مع الظروف الاقتصادية وغلاء المعيشة ويحرمهم من تلبية العديد من احتياجاتهم.
مواطنون: ما جدوى العمل في الأماكن البعيدة برواتب متدنية؟
الخريجة الجامعية والمتعطلة عن العمل، سامية الحديد، تقول انها لم تتمكن من الاستمرار بعملها بسبب تدني الدخل الذي يبلغ 300 دينار وصعوبة المواصلات، ناهيك عن كلفتها مقابل الراتب.
وتضيف سامية، التي تسكن بمنطقة ماركا وعملت بإحدى الشركات التي تقع في منطقة الرابية، إن المواصلات من مكان عملها الى المنزل كانت تستهلك الجزء الاكبر من الراتب، سيما وانها كانت بحاجة للتنقل عبر 3 وسائل للوصول الى العمل وكذلك خلال عودتها.
لم تتمكن سامية من الاستمرار بالعمل، خاصة أنها كانت تتعرض لمجهود كبير كان يقلل من تركيزها بعملها الى جانب العائد المادي الذي لم يساعدها بتحقيق العديد من طموحاتها.
وتؤكد ان السبب وراء تركها لعملها هو عدم توفير وسائل نقل تحترم حقوق المواطن وتراعي حقه بعدم ضياع وقته، خاصة فيما يتعلق بطول ساعات الانتظار وسائل النقل وعدم توفير وسائل نقل بكلف بسيطة الى بعض اماكن عمان.
لم تكن سامية حالة فردية فحالها كحال العديد من الشباب الذين يشتكون من هدر طاقاتهم ورواتبهم بسبب تردي حال شبكة المواصلات وخدماتها.
العشريني، علي قنديل، يقول أنه رفض إحدى الوظائف بسبب عدم توفر وسائل نقل مباشرة من والى عمله، لأن الراتب الذي عُرض عليه لن يغطي كلف تنقله واحتياجاته اليومية الاساسية، موضحا أن الراتب الذي عرض عليه من صاحب العمل يقدر بـ250 دينارا.
ويتابع ان هذا الراتب لن يغطي المواصلات اليومية التي سيحتاجها، خاصة أن المواصلات لمكان العمل كانت تحتاج للتنقل عبر حافلتين ومن ثم تاكسي.
ويوضح أن مشكلة المواصلات تشكل عائقا كبيرا أمام الإقبال على الوظائف، خاصة وان الرواتب تعتبر متدنية جدا، وهو ما يزيد من رفض الشباب للعمل.
وتؤكد رانيا الخرابشة، التي تعمل موظفة باحدى الشركات، انها تحتاج لاستقلال حافلة وتاكسي وصولا لمكان عملها، وتضيف انها تعيد الكرة عند عودتها للمنزل، وهو ما يستنزف جهدها ووقتها، علاوة على استهلاك الحصة الأكبر من راتبها.
وتوضح انها بحاجة للعمل على الرغم من ان راتبها لا يتجاوز 280 دينارا، وانها تدفع ما يقارب 150 دينارا شهريا للمواصلات.
أما مهند الطويل، فلا يستطيع توفير أي مبلغ من دخله، بسبب كلف النقل وتدني راتبه، قائلا: إنه امضى عامين وهو يبحث عن فرصة عمل، الا انه وحين وجد لم تكن الوظيفة تلبي طموحاته واحلامه التي تتعلق باستكمال دراسته الجامعية.
ويضيف انه يعمل موظفا في شركة في جبل عمان، وراتبه يقدر بـ300 دينار، وتستهلك المواصلات أكثر من نصف راتبه شهريا، ويلفت الى ان كلف التنقل حدت من قدرته على التوفير لاكمال دراسته.
ويبين الطويل أن قطاع النقل يعاني الكثير من المشاكل على رأسها عدم توفر مواصلات بكلف بسيطة للعديد من مناطق عمان التي تتمركز فيها الشركات والوظائف. 
النقل الخصوصي ملاذ المواطنين للتخفيف من كلف النقل
للتخفيف من ارتفاع كلف وسائط النقل وتدني خدماته يلجأ العديد من المواطنين إلى استخدام وسائط النقل الخاصة مقابل أجر، سيما ان تلك الوسائط لا تهدر وقتهم ولا تطيل ساعات انتظارهم.
يقول المواطن أمين المناصرة، انه اعتاد اللجوء لباصات النقل الخصوصي هو وعدد من زملائه في العمل للتنقل عبرها، ويبين ان وسائط النقل العام في المملكة كلفها تعتبر عالية وتهدر الوقت.
ويلفت إلى أنه يستخدم ذات الطريقة لإيصال أبنائه وبناته للمدارس الحكومية التي لا تصل إليها باصات النقل.
ويوضح المناصرة أن الباصات الخاصة تعتبر آمنة وسريعة، وأجرتها تقل بكثير عن الباصات العمومية والتاكسي.
وتؤكد المواطنة شيرين مسلم ان التنقل عبر الحافلات الخاصة اقل تكلفة من وسائل النقل الاخرى، وتقول إن أغلب المناطق في عمان لا تصل اليها الحافلات، الأمر الذي يجبر المواطن على استقلال التاكسي الذي تعتبر تعرفته مرتفعة جدا.
وتضيف مسلم ان مشكلة المواصلات مع تدني الرواتب تدفع بالمواطنين لإيجاد الحلول، حيث تقوم هي ومجموعة من زميلاتها بالعمل باستقلال وسيلة واحدة مقابل مبلغ بسيط يتشاركن في دفعه.
وكانت دراسة لهيئة النقل البري العام 2011 حول آراء الركاب في أسباب إقبالهم على استخدام الباصات ووسائط النقل الخصوصي أظهرت أن 60 % تستخدمها بسبب عدم توفر وسائط النقل العام، بينما 5 % لتدني الأجرة و6 % للتنقل للأماكن غير المخدومة و7 % يستخدمونها في ساعات متأخرة من الليل و21 % يستخدمونها لسرعة التنقل و1 % لأسباب أخرى.
خبراء: يجب بناء منظومة نقل متكاملة وحديثة في المملكة
الخبير الاقتصادي، زيان زوانة، يؤكد أن النقل يؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين، خاصة فيما يتعلق بموضوع قبولهم للوظيفة او رفضها، ويبين انه وفي حال تحصيل الفرد لوظيفة في مكان تتوفر فيه المواصلات دون عناء وجهد مادي ومعنوي فإن فرصة قبوله للعمل ترتفع.
ويقول ان هنالك العديد من الشباب يرفضون العمل لاسباب تتعلق بتدني الراتب الذي لا يغطي كلف تنقلهم من والى العمل، وهو ما يساهم برفع معدل البطالة، ويلفت إلى أن البعض الآخر يقبل بالعمل رغم تدني الدخل وبعد مكان عمله عن سكنه، وهو ما يرتب على هذه الفئة ارتفاع تكاليف التنقل التي تستحوذ على الحصة الأكبر من دخله، الأمر الذي ينعكس سلبا على مستوى الحياة التي يعيشها الفرد بهذه الحالة.
ويضيف زوانة أن النقل المتردي في خدماته والمرتفع في كلفه من العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع الفقر والبطالة في المجتمعات، خاصة في ظل غياب منظومة نقل متكاملة ترتقي الى الحداثة والتطور والتنوع.
ويوضح خبير اقتصادي آخر، محمد البشير، ان استنزاف كلف النقل لدخول المواطنين التي تعتبر متدنية يساهم برفع معدل الفقر؛ حيث اثبتت العديد من الدراسات ان كلف النقل تؤدي لتآكل دخول المواطنين الى جانب ارتفاع كلف المعيشة الاخرى.
ويبين أن النقل يعتبر من الحاجات الاساسية في حياة الافراد، وهو ما يتطلب من الجهات المعنية ضرورة توفير وسائل نقل منظمة ومريحة وتراعي الضغط الهائل على الشبكة.
ويؤكد البشير أن رداءة شبكة النقل العام تؤدي إلى تقليل انتاجية جميع القطاعات والعاملين بها، خاصة أن صعوبة المواصلات تساهم في ضياع الوقت والجهد وتعرض الافراد بشكل كبير الى الضغوط النفسية.
ورغم أن منظومة النقل العام في المملكة تشرف عليها العديد من الجهات بدءا من وزارة النقل، وأمانة عمان وهيئة تنظيم النقل البري، إلا أن هذه المنظومة مازالت متردية وسيئة للغاية، وفق مواطنين.
حتاحت: قطاع النقل يفتقر للتمويل
يؤكد وزير النقل السابق، أيمن حتاحت، أن جميع الجهات العاملة في قطاع النقل تبذل ما بوسعها لإنجاز العديد من مشاريع النقل العالقة منذ سنوات، إلا أن محدودية التمويل لهذه المشاريع تشكل اكبر عائق أمام إنجازها.
ويوضح انه وفي حال تم انجاز مشروع الربط بين عمان والزرقاء فإنه سيحل مشاكل كثيرة ويحد من الازدحامات، خاصة وان هنالك اعدادا كبيرة جدا من المواطنين يتنقلون بين هاتين المحافظتين.
ويلفت إلى أن أهم المشاريع التي تعمل الوزارة بالتعاون مع الجهات المعنية لانجازها حافلات التردد السريع اضافة الى مشروع السكك الحديدية.
وحاولت “الغد” الاتصال بوزير النقل المهندس يحيى الكسبي للحصول على تصريح بهذا الخصوص، لكن كل محاولات الاتصال به باءت بالفشل.
من جهته، قال المدير التنفيذي للنقل والمرور في امانة عمان الدكتور ايمن الصمادي ان كلف النقل تؤثر على المستوى المعيشي للمواطنين وترتبط بعض الأحيان بمدى اقبال الشباب على الوظائف. 
ويوضح أن الأمانة تعي ان هنالك علاقة بين النقل والفقر والبطالة، الأمر الذي دفعها للأخذ بعين الاعتبار التركيز على ربط المناطق التي تشهد كثافة سكانية مع المناطق التي تتوفر فيها فرص العمل.
ويبين الصمادي ان هذا الإجراء هو من ضمن خطط الامانة التي تعمل عليها بمجال الربط السريع.
ويلفت الصمادي الى ان كلف النقل تستحوذ على ما يتراوح بين 25-30‎ % من دخل الأسرة.
ويشير الى ضرورة التركيز على عملية الربط بين المناطق السكانية الكثيفة واماكن العمل بحيث يتحقق بذلك هدف منظومة نقل متكاملة تنعكس ايجابا على حياة الافراد.
دراسات: خدمات وكلف النقل العام عائق امام الشباب
وتؤكد دراسة متخصصة أن 78 % من الشباب و80 % من أولياء الأمور يعتبرون المواصلات عائقا أمام ذهاب الشباب إلى العمل، في حين قال 46 % من الموظفين إنهم يحتاجون إلى أكثر من وسيلتي مواصلات للوصول إلى أماكن عملهم، فيما يقدر أغلبهم أنهم ينفقون حوالي 23 % من قيمة رواتبهم على المواصلات.
وتكشف دراسة صدرت، في وقت سابق، عن المنظمة الدولية للشباب بالتعاون مع وزارتي العمل والنقل والوكالة الأميركية للتنمية، وجاءت بعنوان “أثر مشكلات النقل على تشغيل الشباب”، أن أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين أكدوا أن المواصلات تؤثر على قدرتهم لإيجاد فرص عمل والمحافظة على وظائفهم.
فيما تشير الأرقام الى أن نسبة الأشخاص الذين يعتمدون على النقل العام كنمط للتنقل في الأردن تصل إلى حوالي 60 % من السكان، و60 % من مستخدمي النقل العام يقل دخلهم عن 300 دينار.
وفي دراسة أخرى للبنك الدولي حول اجور النقل العام والقدرة على تحملها، تشير الى انه عندما يكون أكثر من 10 % من الاسر ينفقون أكثر من 15 % من دخلهم على النقل، فإنه يجب الاعتراف بأن الفقراء يتعرضون للإقصاء والتمييز.