لم تتجاوز نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن خلال العقد الماضي 18%، رغم نسبة التعليم المرتفعة بين الإناث، ويرتبط ذلك بعقبات كثيرة تحدّ من انخراطهن في سوق العمل، ويأتي النقل العام على رأس تلك العقبات الرئيسية، بسبب الأثر السلبي الذي يخلفه على حياة النساء وأنشطتهن، إذ يضعهن تحت ضغوط نفسية عالية بسبب عدم فاعليته، ما يؤخرهن عن عملهن وأماكن دراستهن وقد يؤدي إلى انسحابهن من العمل والدراسة.
كما تظهر نتائج دراسة (المواصلات من وجهة نظر المرأة المستخدمة للنقل العام)، الصادرة عام 2019.
ويتعاظم الأثر السلبي على النساء المقيمات في قرى غير مخدومة بوسائل النقل العام كلياً، كما تبين نور (30 عاماً)، من سكان قرية بليلا الواقعة على بعد 20 كيلو متراً عن محافظة جرش، وتخلو القرية من أي وسيلة نقل عام رغم وجود 6608 نسمة يعيشون فيها.
تصف نور معاناتها في الذهاب إلى عملها بعمان، والتي استمرت 4 سنوات قبل أن تستطيع اقتناء سيارة، فلم يكم أمامها سوى خيارين، الأول أن تستقل إحدى السيارات الخصوصية من بيتها إلى مجمع جرش، ومن ثم إلى عمان، أو تلجأ إلى الحجز بباصات إربد-عمان، وتنتظر مرور الباص في الصباح الباكر عند جسر نعيمة، كي لا تفقده.
ويتطلب الأمر من نور الخروج من البيت يومياً قبل موعد عملها بساعتين وربع، بسبب شح المواصلات، فكان لا بد لها أن تلتحق بإحدى باصات القرى المجاورة مثل المشيرفة، وكفر خل، وفي كثير من الأحيان تضطر للوقوف في حال امتلأت المقاعد، حتى لا تنتطر أكثر.
كنت لما بدي أطلع عالدوام أعيش بفوبيا إنه ألحق الباص أو ما ألحق"، تتحدث نور عن الضغط النفسي الذي كانت تمر به بسبب وسائل النقل، مشيرة إلى حالة التوتر والقلق التي كانت تعيشها لدى صعودها في سيارة خاصة مع أشخاص لا تعرفهم كي تصل إلى وجهتها.
مناطق غير مخدومة
يصل عدد المناطق غير المخدومة بشكل مباشر في جرش إلى 13 قرية، مقابل 40 قرية مخدومة بشكل مباشر، حيث يبلغ عدد خطوط النقل العام 29 خطا داخليا من جرش باتجاه القرى، بالإضافة إلى 15 سرفيسا يعمل على خطوط جرش المختلفة.
ولم تستجب الهيئة العامة لوسائل النقل حتى اليوم للمطالبات بتزويد قرى كثيرة مثل أم قنطرة، وثغرة عصفور وبليلا وقرى أخرى بخط باص يخدمها بشكل مباشر.
وتتضرر أعداد كبيرة من العائلات التي تقطن تلك القرى بسبب عدم توفر المواصلات، أو عدم التزام سائقي الباصات بخطوطهم المعتمدة، إذ يبلغ عدد سكان أم قنطرة على بعد 9 كيلو متراًعن محافظة جرش (756) نسمة، أما ثغرة عصفور التي تبعد 8 كم عن المدينة يعيش فيها (1486) نسمة، وبرما الواقعة على بعد 30 كيلو متراً يقطنها (6541) نسمة،وفقاً لدائرة الإحصاءات العامة.
الناطق الإعلامي في هيئة تنظيم قطاع النقل البري عبلة وشاح تبين أنه لغاية الآن لا يوجد موعد زمني ثابت لوصول الباص، حيث يجري العمل على ذلك من خلال المخطط الشمولي للنقل العام للركاب في محافظة جرش، الذي يهدف إلى النهوض بقطاع النقل وتطويره، لتكون محافظة جرش نموذجا لباقي محافظات المملكة، والذي تضمن 3 مراحل، شملت المرحلة الأولى إنشاء مجمع للباصات، وتضمنت المرحلة الثانية تركيب 67 مظلة موزعة على مسارات خطوط النقل العام في مناطق المدينة، ويجري العمل على استكمال المرحلة الثالثة والأخيرة التي تتمثل بهيكلة خطوط النقل العام.
وتوضح النائب هدى العتوم أن وزير الشؤون البلدية والنقل السابق وليد المصري أوعز العام الماضي بتسهيل تمويل 11 خطا داخليا لجرش، بقيمة 100 ألف دينار.
وسائل نقل غير آمنة
عام 2018، أطلق أهالي منطقة البرج الواقعة على بعد 2 كيلو متراً من بلدة سوف غرب جرش، مبادرة حملت شعار (وصلني بأمان)، بالتعاون مع الجمعية الأردنية للتنمية البشرية في جرش، وشبكة أنهر للتربية المدنية، عقب مواجهة النساء للعديد من المخاطر في ظل توقف خط الباص الذي يخدم المنطقة منذ 17 عاماً، والاعتماد على السيارات الخاصة في التنقل.
هذا ما واجهته الطالبة في جامعة اليرموك بلقيس (23 عاماً)، في أحد الأيام خلال توجهها إلى تجمع الباصات في سوف، حين اضطرت لركوب سيارة خاصة مع شخص لا تعرفه، وزعم أنه سيقلّ فتيات من ذات المنطقة، لكنه استمر بالقيادة إلى منطقة بعيدة تخلو من السكان، كما تروي بلقيس، ما أثار ذعرها وطلبت منه التوقف لتنزل من السيارة.
وللحدّ من تكرار هذه المواقف، قام أهالي المنطقة بتوقيع عريضة يطالبون فيها الجهات المعنية بإرفاد المنطقة بخط باص عمومي لخدمتها، وفقاً للعضو المؤسس في المبادرة مديرة الجمعية الأردنية للتنمية البشرية كوثر كريشان، التي توضح أن المبادرة انبثقت من معاناة النساء وشعورهن بالخوف وعدم الأمان في كل مرة يحتجن فيها إلى النقل، ما دفع إلى القيام بحملة كسب تأييد لإرجاع خط الباص، وتم إيصال المطلب إلى مدير هيئة تنظيم النقل البري في جرش محمد علاونة، والنائب هدى العتوم ورئيس بلدية جرش علي قوقزة.
واقترحت هيئة النقل أن تتولى الجمعية شراء الباص بينما تزودهم الهيئة بخط، في حين تشير كريشان أن الجمعية لا تملك مبلغ اثني عشر ألف دينار ثمنا للباص، مؤكدة أن توفير باص خط عام ليخدم المنطقة من واجب هيئة النقل.
من جهتها، تقول لنا العتوم أنها تواصلت مع مدير هيئة النقل البري في جرش بخصوص مبادرة وصلني بأمان، وتوضح أن الهيئة أكدت بأن الحل هو أن تقوم شركة الباصات الداخلية في سوف بتزويد المنطقة بباص، أو أن تقوم إحدى الجمعيات أو المؤسسات الأهلية بشراء باص.
وتلفت العتوم إلى أن الاعتماد على وسائل النقل الخاصة التي تعمل مقابل أجرة في المناطق غير المخدومة بنقل عام، يسبب الكثير من المشاكل التي لا تحمد عقباها للسيدات والفتيات، وإن كانت تلك الحوادث حالات فردية.
أما تشغيل المركبات الخاصة في مجال النقل، فهو مخالف لقانون تنظيم نقل الركاب الصادر عام 2017، إذ تنص المادة (17) منه على أنه "تحجز أي واسطة نقل ركاب عائدة للمرخص له في حال مخالفته لشروط الترخيص أوالتصريح لوسائط نقل الركاب أوخالف قرارات المجلس أو المدير العام المبلغة له بوقف أو إلغاء ترخيصه أو تصريحه أي من وسائط نقل الركاب العائدة له على أن ينظم الموظف ضبطا بالمخالفة والوسائط المحجوزة كما تسري هذه الأحكام على أي شخص زاول خدمات نقل الركاب دون ترخيصٌ أو قٌدم تلك الخدمات باستخدام وسائط نقل غير مصرح باستخدامها".
النقل العام يعيق المرأة من العمل
اضطرت الثلاثينية صفاء (اسم مستعار)، من قرية المشيرفة التي تبعد 19 كيلو متراً عن محافظة جرش لترك عملها كمعلمة في مدرسة حكومية، بسبب بعد بيتها عن آخر محطة يصل لها الباص المتجه إلى جرش، وكانت معاناتها تتضاعف خلال الشتاء نظراً لطول المسافة التي تضطر لقطعها مشياً حتى تصل نقطة الباص.
"أنا الآن أعمل في مدرسة خاصة، ورغم المعيقات الكثيرة، لكني أتمسك بالعمل لأن المواصلات مؤمنة"، تقول صفاء، مشيرة إلى أنها تفكر أول شيء بكيفية تأمين مواصلاتها لدى البحث أو التقدم لأي عمل.
وتوضح أن أهالي القرية طلبوا من سائقي الباصات الوصول لمنطقتهم، لكنهم يرفضون بسبب بعد المسافة، والمشكلة الأكبر أن الجولة الأولى للباصات تبدأ الساعة السادسة صباحا، بينما تكون الجولة الثانية عند الثامنة، ثم ينقطع الخط حتى الواحدة ظهراً أو الثالثة عصراً، ويدفع عدم انتظام مواعيد الباصات العمومي في منطقة المشيرفة صفاء للبقاء في عملها المؤمن بالمواصلات، رغم حصولها على فرص عمل أفضل خارج المحافظة.
وتبين دراسة مؤسسة صداقة أن 400 امرأة من بين 497 من 11 محافظة في الأردن، أي ما نسبته 80% من النساء اللواتي شملتهن الدراسة، يعتقدن أن النقل العام جزءا لا يتجزأ من العوائق أمام المشاركة الاقتصادية للمرأة.
وتكشف نتائج الدراسة أن 47٪ من النساء المشمولات بالعينة، رفضن فرص العمل بسبب الوضع الحالي لخدمات النقل العام، التي باتت تشكل رادعا أساسيا لانضمام النساء لسوق العمل.
يعتبر حق التنقل بسهولة وأمان من الحقوق الأساسية استناداً للمادة (13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص على أنه "لكل فرد حق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة".