من أجل الجندي المرابط على الحدود والذي يحلم بالوصول الى قريته في بصيرا بمحافظة الطفيلة أو الى بليلا في محافظة جرش أو غيرها، سنكتب عن النقل العام مرة ومرات حتى نجد من يسمع ويتحرك.
من أجل المعلمة التي تقضي ساعتين تراكض بين السرفيس والباص لتصل الى الغرفة الصفية قبل الجرس، سنكتب، ومن اجل طلاب الجامعات الذين يقضون ثلاث واربع ساعات في مواصلات تمتهن انسانيتهم وتضيع وقتهم سدى... سنكتب من أجل الموظف والعامل والضيف والمضيف... فكفى، لأن الوضع لم يعد يحتمل المزيد من السكوت.
يوجد لدينا في الأردن وزارة خاصة بالتخطيط إنشئت في العام 1984 خلفاً للمجلس القومي للتخطيط وتقوم بإعداد خطط إستراتيجية متتالية كان آخرها خطة الثلاث سنوات (2014-2016). صحيح أن المملكة الرابعة قللت من الإعتماد على التخطيط الإستراتيجي واستبدلت الخطط الثلاثية والخمسية التي عهدناها برؤية الأردن للسنوات العشر القادمة 2025 التي "تتطلب من جميع المواطنين سواء موظفين في القطاع العام أو الخاص، الإلتزام بالتنفيذ والتقيد بالمباديء العامة..." حسب ما ورد في متنها والتي تعتمد على فلسفة العناقيد (لا ادري لماذا تذكرني هذه الكلمة بعناقيد الغضب) والتي ساقتبس منها عنقود النقل واللوجستيات للمقاربه.
تقسم رؤية الأردن 2025 إلى ثلاث فترات حيث يبين البرنامج التنموي التنفيذي للأعوام (2016-2018) بأن هناك درجة عالية من الرضا عن خدمات النقل العام قدرت بنسبة 66% عن العام 2014 وارتفعت الى 75% في العام 2016 ومن المفروض ان تصل الى 90% في العام 2025 أي بعد ثماني سنوات من الآن، لا أدري إن كان معد التقرير واللجان التي صادقت عليه في كامل وعيهم عند إقراره، ولا معتمدين على انه ما في ناس تقرأ ورق.
لقد حضرنا مؤخراً بعمّان جلسة نقاشية بعنوان "تحديات النقل العام في الأردن ودور المواطن في إحداث التغيير" نظمتها مؤسسة فريدرش ناومان من أجل الحرية، وتحدث فيها خبير النقل والمرور السيد حازم زريقات وعرض لنا فيديو (رحلة باسمة) التي تعاني الأمرين للوصول الى عملها وبالعكس، فإما أن فيديو باسمة لا يعبر عن واقع النقل العام المأساوي في الأردن، أو أن مُصممي درجة الرضا في عنقود النقل غايبين فيلة.
أساس مشكلة النقل العام خلقتها وزارة الداخلية إبان فترة إشرافها على القطاع وتوزيعها رخص الخطوط على المحاسيب، مما أدى لنشوء مافيات تتحكم بالتكاسي والكوسترات والشاحنات، لدرجة انه أصبح من الصعب مناقشة اي تعديل على قانون النقل بدون إعطاءهم حصة باستثناء هنا أو تصريح هناك، وبذلك تضطر الدولة ان تجمد العمل بالإستراتيجية لصالح التكتيك الذي يهدف الى تهدئة الخواطر ولكي لا يتحول إعتراض السائقين لتجريدهم من الحقوق المكتسبة الى هبّة كما حدث في معان عام 1989.
الهذه الدرجة كانت حكومة النسور عاجزة عن تطبيق إستراتيجية النقل العام المقرة ضمن رؤية الأردن 2025 مما جعلها تأخذ بتوصية لجنة التنمية الإقتصادية بقرارها رقم 13838 في جلستها بتاريخ 19/1/2016 القاضي بإلغاء وصلة سكة حديد الشيدية لكي تُبقي على نقل الفوسفات بالشاحنات بدلاً من القاطرات، ضاربة بعرض الحائط بما جاء برؤية الأردن 2025 في أقل من شهرين على إطلاقها في العام 2015.
إن تهريب صلاحيات وزارة النقل الى هيئات مستقلة للنقل البري والطيران المدني والهيئة البحرية ومؤسستين للسكك الحديدية يجعل منها هيكل لا حول له ولا قوة، في ظل تحكم صغار المشغلين لخطوط النقل العام، مما يفقدها الأدوات لإصلاح منظومة النقل والمرور التي تستوجب تنفيذ الإستراتيجية والتوقف عن التكتيك بغرض الشعبية وترحيل المشاكل.
العسكري على الحدود القابض على الزناد في لهيب الشمس وزمهرير البرد الصحراوي يعتقد بأن له سنداً من الخبراء يخططون لتحسين حياته وتجويد منظومة النقل حتى تصل خطيبته أو ابنته الى جامعة الحسين أو الهاشمية بأريحية.... والمعلمة التي تخنصر من راتبها حتى تركب تكسي عندما يشتد عليها التعب... والممرضة والطالب وغيرهم كثيرين يحسدونكم على مكاتبكم الفارهة والسيارات المكيفة ظناً منهم انكم تعملون كما يكدحون، فهل فعلتم أيها المخططون.